حماية حقوق المؤلف في النظام السعودي
مدخل:
تقوم الحقوق المدنية للفرد في مجتمعه على ركيزتين أساسيتين هما: حقوق عامة وخاصة، فالحقوق العامة التي يتشارك فيها الفرد مع كافة الناس، فتكفل له الرعاية والاحترام الواجبين، من ذلك الحق في الحماية، والحق في الرعاية الصحية، وفي التعليم، وفي سلامة جسده وماله، وسلسلة طويلة من الحقوق المشتركة بين الناس.
أما الحقوق الخاصة فهي ما كانت ناشئة عن تعاقد الأفراد فيما بينهم تعاقداً قانونياً مبنياً على التزام الطرفين أو أحدهما بأداء واجبات معيّنة لطرفٍ آخر، وهي على ضربين: حقوق مالية، وحقوق أسريّة.
والحقوق المالية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي: حقوق عينية، وحقوق شخصية، وحقوق معنويّة، والأخيرة هي المتصلة بحديثنا عن حقوق المؤلفين، ونتناول في مقالتنا هذه بعض حقوق المؤلف التي كفلها له الشرع والنظام، وأهم ما يتصل بذلك من أنظمة وقوانين محليّة ودوليّة.
الحق المعنوي:
هو سلطة الشخص في أمور وأشياء غير محسوسة كانت من نتاج الفكر، كالتأليف، أو الاختراع، والابتكار، أو الحق في الهويات والمسميات التجارية[1].
وكل أمر معنويٍ مما ذكر لا ينشأ لصاحبه حقٌ فيه إلا أن يتحوّل إلى واقعٍ محسوسٍ يخرجه من العيش في عالم الفكر الافتراضي إلى العالم التطبيقي الحقيقي، فيتمتع حينئذٍ بالحصانة والحق الشخصي للمنتج له.
وحق التأليف بكل أشكاله وأنواعه حقٌ معنويٌ، يتحصّن للمرء الحق فيه بظهوره، ويترتب على ذلك الظهور حقوق كالمنفعة أو الاحتكار، أو نقل الملكيّة، وبذا يتحوّل إلى مال يتداول بين الناس.
المقصود بالتأليف والمؤلِّف:
التأليف داخل في إطار الابتكار والابداع، في الآداب والفنون والعلوم، أيًّا كان نوع هذه المصنفات، أو طريقة التعبير عنها، أو أهميتها، أو الغرض من تأليفها، كالرسوم الفنيّة، والدواوين الشعريّة، والمخططات الهندسية، والنصوص البرمجية، أو والنصوص المكتوبة من الكتب والكتيبات، وأعمال التصوير، والمسرحيات، والسيناريوهات، سواءٌ كانت هذه المادة مكتوبةً أو صوتيةً أو مرئية.
أما المؤلِّف؛ فهو المبدع المبتكر بجهده أي مصنفٍ أدبي أو فنيٍ أو علمي، كالشاعر والأديب والرسام والشارح ونحو ذلك.
والناظر في هذا يجد أن اعتبار الابتكار والإبداع في المؤلَّف ركنٌ أساس لاكتساب مسمى المؤلِّف المستحق للحماية من الاعتداء، فلا بد أن يكون في المصنَّف طابعٌ شخصي، وروح جديدة تضفي على المصنّف تميزاً وجدّة، وأن يظهر الابتكار والابداع من خلال مقومات الفكرة تنظيراً، أو بثُّ الفكرة واقعاً في المصنّف.
وقد صدر نظام حماية حقوق المؤلف في المملكة العربية السعودية لأول مرة بموجب المرسوم الملكي م/11 بتاريخ 19/05/1410هـ ثم صدر مرّة أخرى بموجب المرسوم الملكي رقم م/41 بتاريخ 02/07/1424، الموافق 30/08/2003، وقرار مجلس الوزراء رقم 85 بتاريخ 9 / 4 / 1424، والمعدّل بقرار مجلس الوزراء رقم 536 وتاريخ 19/10/1439ه، والهيئة السعودية للملكية الفكرية هي الجهة التنفيذية الملتزمة بحفظ حقوق المؤلف، وقد نصت في نظامها أن مجرّد ظهور المصنَّف للمؤلف يكسبه الحصانة والحماية، دون الحاجة لتسجيل المصنّف لدى الهيئة السعودية للملكية الفكرية.
حقوق المؤلف:
للمؤلف حقان أساسيان بموجب النظام هما:
الحق الأدبي: وهو حقٌ أبديٌ ملازمٌ للمؤلف لا يقبل التنازل ولا يسقط بالتقادم، وينحصر هذا الحق في : حق نسبة المصنف إليه، والحق في الاعتراض على أي اعتداء على المصنف، ومنع أي حذف أو تغيير أو إضافة أو كل مساس بذات المصنَّف، وحق المؤلف في تقرير نشر مصنفه، وإدخاله ما يراه من تعديل أو تغيير في المصنف، وأخيراً حق المؤلف في سحب المصنف من التداول، ويؤول هذا الحق لورثة المؤلف من بعده عدا إجراء تعديل أو حذف على المصنَّف، فلا يحق لورثه أي تعديل أو حذف في المصنَّف ما لم يوصِ المؤلف بشيء من ذلك فإن وصيته حينئذٍ واجبة التنفيذ.
الحق المالي: وهو حق محدد بزمن معيّن، يختلف من دولة إلى أخرى، ويتمثل هذا الحق في: طبع المصنف ونشره، وتحوير أو ترجمة العمل إلى لغات أخرى، وجميع أشكال الاستغلال المادي للمصنف كترخيص أو تأجير العمل للغير.
ويقصد بحماية حق المؤلف، سلطة المؤلف في استعمال حَقيْه المالي والأدبي، مستنداً لحصانةٍ نظاميةٍ، تلتزم الدولة بتمكينه من محاسبة ومقاضاة من اعتدى على أي حقٍ من حقوق المؤلف المنصوص عليها في النظام.
مدّة حماية حقوق المؤلفين:
يتمتع المؤلف بالحماية لمصنَّفه مدى حياته، ولمدّة خمسين سنةً بعد وفاته فيكون الحق حينئذ لورثته، فلا يحق لأحدٍ الاعتداء على المصنَّف بعد وفاة مؤلفه لمآل الحق لورثة المؤلف، وتحسب مدّة الحماية للمصنفات المشتركة من تاريخ وفاة آخر من بقي حياً من مؤلفيها.
وفيما يخص المصنفات المؤلفة من شخصية اعتبارية، أو باسم مجهولٍ فمدّة حمايتها خمسون سنة من تاريخ أول نشرٍ للمصنّف، إلا أن يعرف اسم المؤلف قبل نهاية الخمسين سنة، فإن مدة الحماية حينئذ تمتد طيلة حياته، وخمسون سنةً بعد وفاته.
ويستثنى من هذه المدة من المصنّفات ما يتلق بالأعمال التطبيقية الحرفيّة أو الصناعية، وما يتعلق بالصور الفوتوغرافية، فإن مدّة حمايتها خمس وعشرون سنة من تاريخ النشر، يبدأ حساب مدتها من تاريخ أول نشر للمصنَّف بغض النظر عن إعادة النشر.
وكذلك المنتجون للأعمال السمعية والمؤدون لها فإن حقهم محدد بخمسين سنةً من تاريخ الأداء، أو أول تسجيل لها، ولو بقي المنتج أو المؤدي لمدّة أطول من خمسين سنة، فإن حقه متعلّق بمدّة المصنَّف، دون عمر المنتج والمؤدي، وهذا بخلاف ما مر معنا من تأليف الكتب ونحوها.
نطاق حماية النظام لحقوق المؤلفين:
هذا وقد نص النظام أن نطاق حمايته محصور بمصنَّفات المؤلفين السعوديين أو غير السعوديين التي تشر أو تنتج أو تعرض لأول مرّةٍ في المملكة العربية السعودية، وكذا مصنَّفات المؤلفين السعوديين التي تنشر أو تنتج أو تعرض لأول مرة خارج المملكة العربية السعودية، ويتناول أيضاً مصنفات هيئة الإذاعة، ومنتجي التسجيلات الصوتية والمؤدين لها، والمصنفات المتمتعة بالحماية بموجب الاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفاً فيها.
المخالفات والعقوبات في نظام حماية حقوق المؤلف:
وتناول النظام في الفصل السادس منه أحكام المخالفات والعقوبات التي تطال المعتدين على حقوق المؤلفين، ففصّل النظام أولاً فيما يكون مخالفةً وتعدياً على الحقوق التي يحميها النظام من نشرٍ لمصنفات الغير أو انتحالها أو تعديل محتوياتها أو طبيعتها، أو نشرها وإنتاجها أو استخدامها استخداماً تجارياً دون إذن كتابي من المؤلف.
وتنوّع العقوبات على المخالفين ما بين الإنذار، الغرامة المالية التي تصل إلى مئتين وخمسين ألف ريال، والاغلاق المؤقت للمنشأة المعتدية مدّة لا تزيد على شهرين مع مصادر جميع النسخ والمواد المستخدمة في ارتكاب التعدي على حق المؤلف، وتصل العقوبة إلى السجن مدّة لا تزيد على ستة أشهر.
ويعاقب عقوبةً مضاعفة كل من تكرر منه التعدي على المصنّف نفسه أو غيره من المصنفات الأخرى.
إن احترام الحقوق أمانة شرعية، ودلالة إيمان وحسن عهد، وقد أصبح النتاج الفكري ذو قيمة مالية، واحترام دولي، والسطو عليه سطوٌ على ذي قيمة، فالواجب حفظ الحقوق لأصحابها، وسن الأنظمة لحمايتها.
.
نظام حماية حقوق المؤلف ولائحته التنفيذية
[1] كتاب المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي – د. محمد عثمان شبير.